مرادالهوارى

سورة  «الفجر» 613623
عزيزي الزائر / عزيزتي الزائرة يرجي التكرم بتسجبل الدخول اذا كنت عضو معنا
او التسجيل ان لم تكن عضو وترغب في الانضمام الي اسرة المنتدي
سنتشرف بتسجيلك
شكرا سورة  «الفجر» 829894
ادارة المنتدي سورة  «الفجر» _online









انضم إلى المنتدى ، فالأمر سريع وسهل

مرادالهوارى

سورة  «الفجر» 613623
عزيزي الزائر / عزيزتي الزائرة يرجي التكرم بتسجبل الدخول اذا كنت عضو معنا
او التسجيل ان لم تكن عضو وترغب في الانضمام الي اسرة المنتدي
سنتشرف بتسجيلك
شكرا سورة  «الفجر» 829894
ادارة المنتدي سورة  «الفجر» _online







مرادالهوارى
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

سورة «الفجر»

اذهب الى الأسفل

سورة  «الفجر» Empty سورة «الفجر»

مُساهمة من طرف مديرالمنتدى الأربعاء 19 أكتوبر 2011, 3:24 am

سورة «الفجر»
سورة «الفجر» مكية, وهي ثلاثون آية بِسْمِ اللّهِ الرّحْمَنِ الرّحِيمِ
** قوله تعالى: {وَالْفَجْرِ * وَلَيالٍ عَشْرٍ }.
قوله تعالى: {وَالْفَجْرِ } أقسم بالفجر. {وَلَيالٍ عَشْرٍ * وَالشّفْعِ وَالْوَتْرِ * وَاللّيْلِ إِذَا يَسْرِ } أقسام خمسة. واختُلِف في «الفجر», فقال قوم: الفجر هنا: انفجار الظلمة عن النهار من كل يوم¹ قاله عليّ وابن الزّبير وابن عباس رضي الله عنهم. وعن ابن عباس أيضاً أنه النهار كله, وعَبّر عنه بالفجر لأنه أوّله. وقال ابن مُحَيْصِن عن عطية عن ابن عباس: يعني فجر يوم المحرم. ومثله قال قتادة. قال: هو فجر أوّل يوم من المحرم, منه تنفجر السنة. وعنه أيضاً: صلاة الصبح. وروى ابن جريج عن عطاء عن ابن عباس قال: «والفجر»: يريد صبيحة يوم النحر¹ لأن الله تعالى جل ثناؤه جعل لكل يوم ليلة قبله, إلا يوم النحر لم يجعل له ليلة قبله ولا ليلة بعده¹ لأن يوم عرفة له ليلتان: ليلة قبله وليلة بعده, فمن أدرك الموقف ليلة بعد عرفة, فقد أدرك الحج إلى طلوع الفجر, فجر يوم النحر. وهذا قول مجاهد. وقال عكرمة: «والفجر» قال: انشقاق الفجر من يوم جَمْع. وعن محمد بن كعب القُرَظيّ: «والفجرِ» آخر آيام العشر, إذا دفَعْتَ من جَمْع. وقال الضحاك: فجر ذي الحجة, لأن الله تعالى قرن الأيام به فقال: {وَلَيالٍ عَشْرٍ } أي ليال عشر من ذي الحجة. وكذا قال مجاهد والسدّيّ والكلبيّ في قوله: «وليالٍ عشْرٍ» هو عشر ذي الحِجة, وقال ابن عباس. وقال مسروق هي العشر التي ذكرها الله في قصة موسى عليه السلام {وَأَتْمَمْنَاهَا بِعَشْرٍ} (الأعراف: 142), وهي أفضل أيام السنة. وروى أبو الزبير عن جابر: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «{وَالْفَجْرِ * وَلَيالٍ عَشْرٍ }
ـ قال: عشر الأضحى» فهي ليال عشر على هذا القول¹ لأن ليلة يوم النحر داخلة فيه, إذ قد خصها الله بأن جعلها موقفاً لمن لم يدرك الوقوف يوم عرفة. وإنما نكرت ولم تعرّف لفضيلتها على غيرها, فلو عُرّفت لم تستقبل بمعنى الفضيلة الذي في التنكير, فنكرت من بين ما أقسم به, للفضيلة التي ليست لغيرها. والله أعلم. وعن ابن عباس أيضاً: هي العشر الأواخر من رمضان¹ وقاله الضحاك. وقال ابن عباس أيضاً ويمان والطبريّ: هي العشر الأوّل من المحرّم, التي عاشِرها يوم عاشوراء. وعن ابن عباس «وَلَيَالِ عَشْرٍ» (بالإضافة) يريد: وليالي أيام عشر.

** قوله تعالى: {وَالشّفْعِ وَالْوَتْرِ }.
الشفع: الاثنان, والوتر: الفرد. واختلف في ذلك¹ فرُوِي مرفوعاً عن عِمران بن الحصين عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «الشفع والوتر: الصلاة, منها شَفْع, ومنها وَتْر». وقال جابر بن عبد الله: قال النبي صلى الله عليه وسلم: ««والفجرِ وليالٍ عشرٍ» ـ قال: هو الصبح, وعشر النحر, والوتر يوم عرفة, والشفع: يوم النحر». وهو قول ابن عباس وعكرمة. واختاره النحاس, وقال: حديث أبي الزبير عن جابر هو الذي صح عن النبيّ صلى الله عليه وسلم, وهو أصح إسناداً من حديث عِمران بن حُصين. فيوم عرفة وتر, لأنه تاسعها, ويوم النحر شفع لأنه عاشرها. وعن أبي أيوب قال: سُئل النبي صلى الله عليه وسلم عن قوله تعالى: {وَالشّفْعِ وَالْوَتْرِ } فقال: «الشفع: يوم عرفة ويوم النحر, والوتر ليلة يوم النحر». وقال مجاهد وابن عباس أيضاً: الشفع خَلْقه, قال الله تعالى: {وَخَلَقْنَاكُمْ أَزْوَاجاً} (النبأ: Cool والوَتْر هو الله عز وجل. فقيل لمجاهد: أترويه عن أحد؟ قال: نعم, عن أبي سعيد الخُدْرِيّ, عن النبي صلى الله عليه وسلم. ونَحوَه قال محمد بن سيرين ومسروق وأبو صالح وقتادة, قالوا: الشفع: الخلق, قال الله تعالى: {وَمِن كُلّ شَيْءٍ خَلَقْنَا زَوْجَيْنِ} (الذاريات: 49): الكفر والإيمان, والشقاوة والسعادة, والهدى والضلال, والنور والظلمة, والليل والنهار, والحر والبرد, والشمس والقمر, والصيف والشتاء, والسماء والأرض, والجنّ والإنس. والوتر: هو الله عز وجل, قال جل ثناؤه: {قُلْ هُوَ اللّهُ أَحَدٌ * اللّهُ الصّمَدُ } (الإخلاص: 1 ـ 2). وقال النبيّ صلى الله عليه وسلم: «إن لله تسعةً وتسعين اسما, والله وِتر يحب الوِتر». وعن ابن عباس أيضاً: الشفع: صلاة الصبح» والوتر: صلاة المغرب. وقال الربيع بن أنس وأبو العالية: هي صلاة المغرب, الشفع فيها ركعتان, والوتر الثالثة. وقال ابن الزّبير: الشفع: يوما مِنًى: الحادي عشر, والثاني عشر. والثالث عشر الوتر¹ قال الله تعالى: {فَمَن تَعَجّلَ فِي يَوْمَيْنِ فَلاَ إِثْمَ عَلَيْهِ وَمَن تَأَخّرَ فَلآ إِثْمَ عَلَيْهِ} (البقرة: 203). وقال الضحاك: الشفع: عشر ذي الحجة, والوتر: أيام مِنًى الثلاثة. وهو قول عطاء. وقيل: إن الشفع والوتر: آدم وحوّاء¹ لأن آدم كان فرداً فشُفِع بزوجته حوّاء, فصار شفعاً بعد وتر. رواه ابن أبي نَجِيح, وحكاه القشيريّ عن ابن عباس. وفي رواية: الشفع: آدم وحوّاء, والوتر هو الله تعالى. وقيل: الشفع والوتر: الخلق¹ لأنهم شفع ووتر, فكأنه أقسم بالخلق. وقد يقسم الله تعالى بأسمائه وصفاته لعلمه, ويقسم بأفعاله لقدرته¹ كما قال تعالى: {وَمَا خَلَقَ الذّكَرَ وَالاُنثَىَ} (الليل: 3). ويقسم بمفعولاته, لعجائب صنعه¹ كما قال: {وَالشّمْسِ وَضُحَاهَا} (الشمس: 1), {وَالسّمَآءِ وَمَا بَنَاهَا} (الشمس: 5), {وَالسّمَآءِ وَالطّارِقِ} (الطارق: 1). وقيل: الشفع: دَرَجات الجنة, وهي ثمان. والوتر, دَرَكات النار¹ لأنها سبعة. وهذا قول الحسين بن الفضل¹ كأنه أقسم بالجنة والنار. وقيل: الشفع: الصفا والمروة, والوتر: الكَعْبة. وقال مقاتل بن حَيّان: الشفع: الأيام والليالي, والوتر: اليوم الذي لا ليلة بعده, وهو يوم القيامة. وقال سفيان بن عُيينة: الوتر: هو الله, وهو الشفع أيضاً¹ لقوله تعالى: {مَا يَكُونُ مِن نّجْوَىَ ثَلاَثَةٍ إِلاّ هُوَ رَابِعُهُمْ} (المجادلة: 7). وقال أبو بكر الورّاق: الشفع: تضادّ أوصاف المخلوقين: العز والذل, والقدرة والعجز, والقوّة والضعف, والعلم والجهل, والحياة والموت, والبصر والعَمَى, والسمع والصّمَم, والكلام والخَرَس. والوتر: انفراد صفات الله تعالى: عِز بلا ذل, وقدرة بلا عجز, وقوّة بلا ضعف, وعلم بلا جهل, وحياة بلا موت, وبصر بلا عَمًى, وكلام بلا خَرَس, وسمع بلا صَمَم, وما وازاها. وقال الحسن: المراد بالشفع والوتر: العدد كله¹ لأن العدد لا يخلو عنهما, وهو إقسام بالحساب. وقيل: الشفع: مسجد مكة والمدينة, وهما الحرمان. والوتر: مسجد بيت المقدس. وقيل: الشفع: القِرن بين الحج والعمرة, أو التمتع بالعمرة إلى الحج. والوتر: الإفراد فيه. وقيل: الشفع: الحيوان¹ لأنه ذكر وأنثى. والوتر: الجماد. وقيل: الشفع: ما يَنْمِي, والوتر: ما لا يَنْمِي. وقيل غير هذا. وقرأ ابن مسعود وأصحابه والكسائيّ وحمزة وخلف «والوِترِ» بكسر الواو. والباقون (بفتح الواو), وهما لغتان بمعنى واحد. وفي الصحاح: الوِتر (بالكسر): الفرد, والوَتْر (بفتح الواو): الذحل. هذه لغة أهل العالية. فأمّا لغة أهل الحجاز فبالضدّ منهم. فأما تميم فبالكسر فيهما.

** قوله تعالى: {وَاللّيْلِ إِذَا يَسْرِ * هَلْ فِي ذَلِكَ قَسَمٌ لّذِى حِجْرٍ }.
قوله تعالى: {وَاللّيْلِ إِذَا يَسْرِ } وهذا قسم خامس. وبعد ما أقسم بالليالي العشر على الخصوص, أقسم بالليل على العموم. ومعنى «يسرِي» أي يُسْرَى فيه¹ كما يقال: ليل نائم, ونهار صائم. قال:
لَقَدْ لُمْتِنا يا أمّ غَيلان في السّرَىونِمتِ وما ليلُ المطِيّ بنائِم

ومنه قوله تعالى: {بَلْ مَكْرُ الْلّيْلِ وَالنّهَارِ} (سبأ: 33). وهذا قول أكثر أهل المعاني, وهو قول القُتَبِيّ والأخفش. وقال أكثر المفسرين: معنى «يَسْرِي»: سار فذهب. وقال قتادة وأبو العالية: جاء وأقبل. ورُوِي عن إبراهيم: «والليلِ اِذا يَسْرِ» قال: إذا استوى. وقال عكرمة والكلبيّ ومجاهد ومحمد بن كعب في قوله: {وَاللّيْلِ} : هي ليلة المزدلِفة خاصة¹ لاختصاصها باجتماع الناس فيها لطاعة الله. وقيل: ليلة القَدْر¹ لِسراية الرحمة فيها, واختصاصها بزيادة الثواب فيها. وقيل: إنه أراد عموم الليل كله.
قلت: وهو الأظهر, كما تقدّم. والله أعلم. وقرأ ابن كثِير وابن مُحيصِن ويعقوب «يسرِي» بإثبات الياء في الحالين, على الأصل¹ لأنها ليست بمجزومة, فثبتت فيها الياء. وقرأ نافع وأبو عمرو بإثباتها في الوصل, وبحذفها في الوقف, وروي عن الكسائي. قال أبو عبيد: كان الكسائي يقول مرة بإثبات الياء في الوصل, وبحذفها في الوقف, اتباعاً للمصحف. ثم رجع إلى حذف الياء في الحالين جميعاً¹ لأنه رأس آية, وهي قراءة أهل الشام والكوفة واختيار أبي عُبيد, اتباعاً للخط¹ لأنها وقعت في المصحف بغير ياء. قال الخليل: تسقط الياء منها اتفاقاً لرؤوس الاَي. قال الفرّاء: قد تحذف العرب الياء, وتكتفي بكسر ما قبلها. وأنشد بعضهم:
كَفّاكَ كَفّ ما تُلِيقُ دِرهَماًجُودا وأخرى تعطِ بالسّيف الدّما

يقال: فلان ما يُلِيق درهماً من جوده¹ أي ما يمسكه, ولا يلصق به. وقال المؤرّج: سألت الأخفش عن العِلة في إسقاط الياء من «يَسْرِ» فقال: لا أجيبك حتى تبِيت على باب داري سنة, فبت على باب داره سنة¹ فقال: الليل لا يَسْرِي وإنما يَسْرَى, فيه¹ فهو مصروف, وكل ما صرفته عن جهته بَخَسْته من إعرابه¹ ألا ترى إلى قوله تعالى: {وَمَا كَانَتْ أُمّكِ بَغِيّاً} (مريم: 28), ولم يقل بغِية, لأنه صرفها عن باغية. الزمخشريّ: وياء «يسرِي» تحذف في الدّرْج, اكتفاء عنها بالكسرة, وأما في الوقف فتحذف مع الكسرة. وهذه الأسماء كلها مجرورة بالقسم, والجواب محذوف, وهو لَيُعَذّبُنّ¹ يدل عليه قوله تعالى: {أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبّكَ} ـ إلى قوله تعالى ـ: {فَصَبّ عَلَيْهِمْ رَبّكَ سَوْطَ عَذَابٍ} (الفجر: 13). وقال ابن الأنباريّ هو {إِنّ رَبّكَ لَبِالْمِرْصَادِ} (الفجر: 14). وقال مقاتل: «هل» هنا في موضع إنّ¹ تقديره: إن في ذلك قسماً لذي حِجْر. فـ«ـهل» على هذا في موضع جواب القسم. وقيل: هي على بابها من الاستفهام الذي معناه التقرير¹ كقولك: ألم اُنعِم عليك¹ إذا كنت قد أنعمت. وقيل: المراد بذلك التأكيد لما أقسم به وأقسم عليه. والمعنى: بل في ذلك مَقْنَع لذي حِجر. والجواب على هذا: {إِنّ رَبّكَ لَبِالْمِرْصَادِ}. أو مضمر محذوف. ومعنى {لّذِى حِجْرٍ} أي لذي لُبّ وعقل. قال الشاعر:
وكيفَ يرجّى أنْ تَتوبَ وإنّمايُرَجّى من الفِتيانِ مَنْ كان ذا حِجْر

كذا قال عامة المفسرين¹ إلا أن أبا مالك قال: «لِذِي حِجر»: لذي سِتر من الناس. وقال الحسن: لذي حلم. قال الفراء: الكل يرجع إلى معنى واحد: لذي حجْر, ولذي عقل, ولذي حلم, ولذي سِتر¹ الكل بمعنى العقل. وأصل الحِجر: المنع. يقال لمن ملك نفسه ومنعها: إنه لذو حِجْر¹ ومنه سمي الحَجَر, لامتناعه بصلابته: ومنه حَجر الحاكم على فلان, أي منعه وضبطه عن التصرّف¹ ولذلك سميتِ الحُجْرة حجرة, لامتناع ما فيها بها. وقال الفرّاء: العرب تقول: إنه لذو حِجْر: إذا كان قاهراً لنفسه, ضابطاً لها¹ كأنه أخذ من حَجَرت على الرجل.

** قوله تعالى: {أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبّكَ بِعَادٍ * إِرَمَ ذَاتِ الْعِمَادِ }.
قوله تعالى: {أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبّكَ} أي مالكك وخالقك. {بِعَادٍ إِرَمَ} قراءة العامة «بعادٍ» منوّناً. وقرأ الحسن وأبو العالية «بعادِ إرَمَ» مضافاً. فمن لم يضف جعل «إرَم» اسمه, ولم يصرفه¹ لأنه جعل عاداً اسم أبيهم, وإرَم اسم القَبِيلة¹ وجعله بدلاً منه, أو عطف بيان. ومن قرأه بالإضافة ولم يصرِفه جعله اسم أمّهم, أو اسم بلدتهم. وتقديره: بعاد أهل إرم. كقوله: {وَاسْأَلِ الْقَرْيَةَ} (يوسف: 82) ولم تنصرف ـ قبيلة كانت أو أرضاً ـ للتعريف والتأنيث. وقراءة العامة «اِرَمَ» بكسر الهمزة. وعن الحسن أيضاً «بعادَ إرَمَ» مفتوحتين, وقرِىء «بعادَ اِرْمَ» بسكون الراء, على التخفيف¹ كما قرىء «بِوَرْقِكُمْ». وقرىء «بِعادٍ إرَمَ ذاتِ العِمادِ» بإضافة «إرَمَ» ـ إلى ـ «ذاتِ العِمادِ». والإرم: العلم. أي بعاد أهل ذات العَلَم. وقرىء «بِعادٍ اِرَمَ ذاتِ العِمادِ» أي جعل الله ذاتَ العماد رميماً. وقرأ مجاهد والضحاك وقتادة «أرمَ» بفتح الهمزة. قال مجاهد: من قرأ بفتح الهمزة شبههم بالاَرام, التي هي الأعلام, واحدها: أرَم. وفي الكلام تقديم وتأخير¹ أي والفجر وكذا وكذا إنّ ربك لبالمِرصاد ألم تر. أي ألم ينته علمك إلى ما فعل ربك بعاد. وهذه الرؤية رؤية القلب, والخطاب للنبيّ صلى الله عليه وسلم, والمراد عامّ. وكان أمر عاد وثمود عندهم مشهوراً¹ إذ كانوا في بلاد العرب, وحِجر ثمود موجود اليوم. وأمر فرعون كانوا يسمعونه من جيرانهم من أهل الكتاب, واستفاضت به الأخبار, وبلاد فرعون متصلة بأرض العرب. وقد تقدّم هذا المعنى في سورة «البروج» وغيرها {بِعَادٍ } أي بقوم عاد. فروى شَهْر بن حَوْشَب عن أبي هريرة قال: إن كان الرجل من قوم عاد ليتخذ المِصْراع من حجارة, ولو اجتمع عليه خمسمائة من هذه الأمة لم يستطيعوا أن يُقِلّوه, وإن كان أحدهم ليُدخِل قدمه في الأرض فتدخل فيها. و«اِرَم»: قيل هو سام بن نوح¹ قاله ابن إسحاق. وروى عطاء عن ابن عباس ـ وحكى عن ابن إسحاق أيضاً ـ قال: عاد بن إرَم. فإرَم على هذا أبو عاد, وعاد بن إرَم بن عوص بن سام بن نوح. وعلى القول الأوّل: هو اسم جدّ عاد. قال ابن إسحاق: كان سام بن نوح له أولاد, منهم إرم بن سام, وأرْفَخْشَذ بن سام. فمن ولد إرم بن سام العمالقة والفراعنة والجبابرة والملوك الطغاة والعصاة. وقال مجاهد: «إرَم» أمّة من الأمم. وعنه أيضاً: أن معنى إرَمَ: القديمة, ورواه ابن أبي نَجِيح. وعن مجاهد أيضاً أن معناها القوية. وقال قتادة: هي قبيلة من عاد. وقيل: هما عادان. فالأولى هي إرَم¹ قال الله عز وجل: {وَأَنّهُ أَهْلَكَ عَاداً الاُولَىَ} (النجم: 50). فقيل لعقِب عاد بن عَوْص بن إرَمَ بن سام بن نوح: عاد¹ كما يقال لبني هاشم: هاشم. ثم قيل للأولين منهم: عاد الأولى. واِرَم: تسمية لهم باسم جَدّهم. ولمن بعدهم: عادٌ الأخيرة. قال ابن الرّقَيّات:
مَجْداً تلِيدا بناهُ أوّلهُمأدرك عاداً وقبلَهُ إرَمَا

وقال مَعْمر: «إرم»: إليه مجمع عاد وثمود. وكان يقال: عادُ إرَمَ, وعادُ ثَمُودَ. وكانت القبائل تنتسب إلى إرم. {ذَاتِ الْعِمَادِ الّتِي لَمْ يُخْلَقْ مِثْلُهَا فِي الْبِلاَدِ } قال ابن عباس في رواية عطاء: كان الرجل منهم طوله خمسمائة ذراع, والقصير منهم طوله ثلاثمائة ذراع بذراع نفسه. ورُوي عن ابن عباس أيضاً أن طول الرجل منهم كان سبعين ذراعاً. ابن العَربيّ: وهو باطل¹ لأن في الصحيح: «إن الله خلق آدم طوله ستون ذراعاً في الهواء, فلم يزل الخلق ينقُص إلى الاَن». وزعم قتادة: أن طول الرجل منهم اثنا عشر ذراعاً. قال أبو عبيدة: «ذاتِ العِمادِ» ذات الطّول. يقال: رجل مُعَمّد إذا كان طويلاً. ونحوه عن ابن عباس ومجاهد. وعن قتادة أيضاً: كانوا عِماداً لقومهم¹ يقال: فلان عَمِيد القوم وعَمُودهم: أي سيدهم. وعنه أيضاً: قيل لهم ذلك, لأنهم كانوا ينتقلون بأبياتهم للانتجاع, وكانوا أهل خيام وأعمدة, ينتجعون الغيوث, ويطلبون الكلأ, ثم يرجعون إلى منازلهم. وقيل: {ذَاتِ الْعِمَادِ} أي ذات الأبنية المرفوعة على العَمَد. وكانوا ينصبون الأعمدة, فيبنون عليها القصور. قال ابن زيد: {ذَاتِ الْعِمَادِ} يعني إحكام البُنيان بالعَمَد وفي الصحاح: والعماد: الأبنية الرفيعة, تذكر وتؤنث. قال عمرو بن كلثوم:
ونحن اِذا عِمادُ الحيّ خَرّتْعلى الأحْفاضِ نَمْنع مَنْ يَلِينا

والواحدة عمادة. وفلان طويل العِماد: إذا كان منزله مَعْلَماً لزائره. والأحفاض: جمع حَفَض (بالتحريك) وهو متاع البيت إذا هُيّىءَ ليُحمل¹ أي خَرّتْ على المتاع. ويروى¹ «عن الأحفاض» أي خرّت عن الإبل التي تحمل خُرْثِيّ البيت. وقال الضحاك: «ذاتِ العِمادِ» ذات القوّة والشدّة, مأخوذ من قوّة الأعمدة¹ دليله قوله تعالى: {وَقَالُواْ مَنْ أَشَدّ مِنّا قُوّةً} (فصلت: 15). وروى عوف عن خالد الرّبعِيّ «اِرم ذاتِ العِمادِ» قال: هي دمشق. وهو قول عكرمة وسعيد المَقْبُرِيّ. رواه ابن وهب وأشهب عن مالك. وقال محمد بن كعب القُرظِيّ: هي الإسكندرية.

** قوله تعالى: {الّتِي لَمْ يُخْلَقْ مِثْلُهَا فِي الْبِلاَدِ }.
الضمير في «مِثلها» يرجع إلى القبيلة. أي لم يخلق مثل القبيلة في البلاد: قوّة وشدّة, وعظم أجساد, وطول قامة¹ عن الحسن وغيره. وفي حرف عبدالله «الّتي لم يُخْلَقْ مِثْلُهُمْ في البلاد». وقيل: يرجع للمدينة. والأوّل أظهر, وعليه الأكثر, حسْب ما ذكرناه. ومن جعل «اِرم» مدينة قدّر حذفاً¹ المعنى: كيف فعل ربك بمدينة عاد اِرم, أو بعد صاحبه إرم. وإرم على هذا: مؤنثة معرّفة. واختار ابن العربيّ أنها دِمشق, لأنه ليس في البلاد مثلها. ثم أخذ ينعتها بكثرة مياهها وخيراتها. ثم قال: وإن في الإسكندرية لعجائب, لو لم يكن إلا المنارة, فإنها مبنية الظاهر والباطن على العمد, ولكن لها أمثال, فأمّا دِمشق فلا مِثل لها. وقد روى مَعْن عن مالك أن كتاباً وُجِد بالإسكندرية, فلم يُدْرَ ما هو؟ فإذا فيه «أنا شدّاد بن عاد, الذي رفع العماد, بنيتها حين لا شيبَ ولا مَوْت. قال مالك: إن كان لتمرّ بهم مائة سنة لا يرون فيها جنازة. وذكر عن ثور بن زيد أنه قال: أنا شدّاد بن عاد, وأنا رفعت العماد, وأنا الذي شَدَدْت بذراعي بطن الواد, وأنا الذي كنزت كنزاً على سبعة أذرع, لا يخرجه إلا أمّة محمد صلى الله عليه وسلم. ورُوِي أنه كان لعاد ابنان: شدّاد وشديد¹ فملكا وقهرا, ثم مات شديد, وخلص الأمر لشدّاد فملك الدنيا, ودانت له ملوكها¹ فسمع بذكر الجنة, فقال: ابني مثلها. فبنى إرَمَ في بعض صحارى عَدَن, في ثلاثمائة سنة, وكان عمره تسعمائة سنة. وهي مدينة عظيمة, قصورها من الذهب والفضة, وأساطينها من الزّبَرْجد والياقوت, وفيها أصناف الأشجار والأنهار المُطّرِدة. ولما تمّ بناؤها سار إليها بأهل مملكته, فلما كان منها على مسيرة يوم وليلة, بعث الله عليهم صيحة من السماء فهلكوا. وعن عبد الله بن قِلابة: أنه خرج في طلب إبل له, فوقع عليها, فحمل ما قدر عليه مما ثَمّ, وبلغ خبره معاوية فاستحضره, فقص عليه, فبعث إلى كعب فسأله, فقال: هي إرَمُ ذاتُ العماد, وسيدخلها رجل من المسلمين في زمانك, أحمر أشقر قصير, على حاجبه خال, وعلى عَقِبه خال, يخرج في طلب إبل له¹ ثم التفت فأبصر ابن قِلابة, وقال: هذا والله ذلك الرجل. وقيل: أي لم يخلق مثل أبنية عاد المعروفة بالعمد. فالكناية للعماد. والعماد على هذا: جمع عَمَد. وقيل: الإرَم: الهلاك¹ يقال: أرِم بنو فلان: أي هلكوا¹ وقاله ابن عباس. وقرأ الضحاك: «أرَمّ ذاتَ العِمادِ»¹ أي أهلكهم, فجعلهم رَمِيماً.

** قوله تعالى: {وَثَمُودَ الّذِينَ جَابُواْ الصّخْرَ بِالْوَادِ }.
ثمود: هم قوم صالح. و{جَابُواْ}: قطعوا. ومنه: فلان يجوب البلاد, أي يقطعها. وإنما سمي جيب القميص لأنه جِيبَ¹ أي قطع. قال الشاعر وكان قد نزل على ابن الزبير بمكة, فكتب له بستين وَسْقاً يأخذها بالكوفة. فقال:
راحت رَوَاحاً قَلُوصِي وهي حامدةآلَ الزّبَير ولم تَعْدِل بهم أحدَا

راحتْ بستينَ وَسْقاً في حَقِيبتهاما حَمَلَتْ حَمْلَها الأدنَى ولا السّدَدا

ما إنْ رأيتُ قَلُوصا قبلها حملتسِتين وَسْقاً ولا جابت به بلدا

أي قطعت. قال المفسرين: أوّل من نحت الجبال والصور والرخام: ثمود. فبنوا من المدائن ألفاً وسبعمائة مدينة كلها من الحجارة. ومن الدور والمنازل ألفَيْ ألِف وسبعمائة ألف, كلها من الحجارة. وقد قال تعالى: {وَكَانُواْ يَنْحِتُونَ مِنَ الْجِبَالِ بُيُوتاً آمِنِينَ} (الحجر: 82). وكانوا لقوّتهم يُخرجون الصخور, وينقبون الجبال, ويجعلونها بيوتاً لأنفسهم. {بِالْوَادِ } أي بوادي القُرَى¹ قاله محمد بن إسحاق. وروى أبو الأشهب عن أبي نضْرة قال: أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم في غَزاة تَبوك على وادي ثمود, وهو على فَرَس أشقر, فقال: «أسرعوا السير, فإنكم في وادٍ ملعون». وقيل: الوادي بين جبال, وكانوا ينقبون في تلك الجبال بيوتاً ودوراً وأحواضاً. وكل مُنْفَرَج بين جبال أو تلال يكون مسلكاً للسيل ومنفذاً فهو وادٍ.

** قوله تعالى: {وَفِرْعَوْنَ ذِى الأوْتَادِ }.
أي الجنود والعساكر والجموع والجيوش التي تشدّ ملكه¹ قاله ابن عباس. وقيل: كان يعذب الناس بالأوتاد, ويشدهم بها إلى أن يموتوا¹ تجبراً منه وعُتُوّاً. وهكذا فعل بامرأته آسية وماشطة ابنته¹ حَسْب ما تقدم في آخر سورة «التحريم». وقال عبد الرحمن بن زيد: كانت له صخرة تُرفع بالبكرات, ثم يؤخذ الإنسان فتوتد له أوتاد الحديد, ثم يرسل تلك الصخرة عليه فتشدخه. وقد مضى في سورة «ص» من ذكر أوتاده ما فيه كفاية. والحمد لله.

** قوله تعالى: {الّذِينَ طَغَوْاْ فِي الْبِلاَدِ * فَأَكْثَرُواْ فِيهَا الْفَسَادَ * فَصَبّ عَلَيْهِمْ رَبّكَ سَوْطَ عَذَابٍ }.
قوله تعالى: {الّذِينَ طَغَوْاْ فِي الْبِلاَدِ } يعني عاداً وثموداً وفرعون «طَغَوْا» أي تمرّدوا وعَتَوْا وتجاوزوا القدر في الظلم والعُدوان. {فَأَكْثَرُواْ فِيهَا الْفَسَادَ } أي الجَوْر والأذى و{الّذِينَ طَغَوْاْ} أحسن الوجوه فيه أن يكون في محل النصب على الذمّ. ويجوز أن يكون مرفوعاً على: هم الذين طغوا, أو مجروراً على وصف المذكورين: عادٍ, وثمودٍ, وفرعونَ. {فَصَبّ عَلَيْهِمْ رَبّكَ سَوْطَ عَذَابٍ } أي أفرغ عليهم وألقَى¹ يقال: صبّ على فلان خِلعة, أي ألقاها عليه. وقال النابغة:
فَصبّ عليه الله أحْسَنَ صَنْعِهوكان له بين البرِية ناصرا

{سَوْطَ عَذَابٍ} أي نصِيب عذاب. ويقال: شِدّته¹ لأن السوط كان عندهم نهاية ما يُعَذّب به. قال الشاعر:
ألم تر أن الله أظهرَ دِينهوصبّ على الكفار سَوْطَ عَذابِ

وقال الفرّاء: وهي كلمة تقولها العرب لكل نوع من أنواع العذاب. وأصل ذلك أن السوط هو عذابهم الذي يُعذّبون به, فجرى لكل عذاب¹ إذ كان فيه عندهم غاية العذاب. وقيل: معناه عذاب يخالط اللحم والدم¹ من قولهم: ساطه يَسوطه سَوْطاً أي خلطه, فهو سائط. فالسوط: خلط الشيء بعضِه ببعض¹ ومنه سمي المِسْواط. وسَاطَهُ أي خَلَطه, فهو سائط, وأكثر ذلك يقال: سَوّط فلان أموره. قال:
فَسُطْها ذَمِيمَ الراْيِ غَير مُوَفّقٍفلست على تَسوِيطها بمُعانِ

قال أبو زيد: يقال أموالهم سَوِيطة بينهم¹ أي مختلطة. حكاه عنه يعقوب. وقال الزجاج: أي جعل سوطَهم الذي ضربهم به العذاب. يقال: ساط دابته يَسُوطها¹ أي ضربها بسوطه. وعن عمرو بن عُبيد: كان الحسن إذا أتى على هذه الاَية قال: إن عند الله أسواطاً كثيرة, فأخذهم بسوط منها. وقال قتادة: كل شيء عذب الله تعالى به فهو سوط عذاب.

** قوله تعالى: {إِنّ رَبّكَ لَبِالْمِرْصَادِ }.
أي يَرْصُد عمل كل إنسان حتى يجازِيه به¹ قاله الحسن وعكرمة. وقيل: أي على طريق العباد لا يفوته أحد. والمَرْصَد والمِرصاد: الطريق. وقد مضى في سورة «براءة» والحمد لله. فروى الضحاك عن ابن عباس قال: إن على جهنم سبع قناطر, يُسأل الإنسان عند أوّل قنطرة عن الإيمان, فإن جاء به تاماً جاز إلى القنطرة الثانية, ثم يُسأل عن الصلاة, فإن جاء بها جاز إلى الثالثة, ثم يُسأل عن الزكاة, فإن جاء بها جاز إلى الرابعة. ثم يُسأل عن صيام شهر رمضان, فإن جاء به جاز إلى الخامسة. ثم يُسأل عن الحجّ والعُمْرة, فإن جاء بهما جاز إلى السادسة. ثم يسأل عن صلة الرحم, فإن جاء بها جاز إلى السابعة. ثم يُسأل عن المظالم, وينادِي منادٍ: ألا من كانت له مَظْلِمة فليأت¹ فيقتص للناس منه, ويقتص له من الناس¹ فذلك قوله عز وجل: {إِنّ رَبّكَ لَبِالْمِرْصَادِ }. وقال الثورِيّ: {لَبِالْمِرْصَادِ } يعني جهنم عليها ثلاث قناطر: قنطرة فيها الرّحِم, وقنطرة فيها الأمانة, وقنطرة فيها الرب تبارك وتعالى.
قلت: أي حكمته وإرادته وأمره. والله أعلم. وعن ابن عباس أيضاً «لبِالمِرصادِ» أي يسمع ويرى.
قلت: هذا قول حسن¹ «يَسْمع» أقوالهم ونجواهم, و«يَرَى» أي يعلم أعمالهم وأسرارهم, فيجازِي كلا بعمله. وعن بعض العرب أنه قيل له: أين ربك؟ فقال: بالمرصاد. وعن عمرو بن عُبيد أنه قرأ هذه السورة عند المنصور حتى بلغ هذه الاَية, فقال: {إِنّ رَبّكَ لَبِالْمِرْصَادِ } يا أبا جعفر! قال الزمخشرِي: عَرّض له في هذا النداء, بأنه بعض من تُوُعّد بذلك من الجبابرة¹ فلِلّه درّه. أيّ أسدٍ فَرّاس كان بين يديه؟ يَدُقّ الظّلمة بإنكاره, ويقمَع أهل الأهواء والبدع باحتجاجه!

** قوله تعالى: {فَأَمّا الإِنسَانُ إِذَا مَا ابْتَلاَهُ رَبّهُ فَأَكْرَمَهُ وَنَعّمَهُ فَيَقُولُ رَبّيَ أَكْرَمَنِ * وَأَمّآ إِذَا مَا ابْتَلاَهُ فَقَدَرَ عَلَيْهِ رِزْقَهُ فَيَقُولُ رَبّيَ أَهَانَنِ }.
قوله تعالى: {فَأَمّا الإِنسَانُ} يعني الكافر. قال ابن عباس: يريد عُتبة بن ربيعة وأبا حذيفة بن المغيرة. وقيل: اُمية بن خلف. وقيل: أبيّ بن خلف. {إِذَا مَا ابْتَلاَهُ رَبّهُ} أي امتحنه واختبره بالنعمة. و«ما»: زائدة صلة. {فَأَكْرَمَهُ} بالمال. {وَنَعّمَهُ} بما أوسع عليه. {فَيَقُولُ رَبّيَ أَكْرَمَنِ} فيفرح بذلك ولا يحمده. {وَأَمّآ إِذَا مَا ابْتَلاَهُ} أي امتحنه بالفقر واختبره. {فَقَدَرَ} أي ضيق {عَلَيْهِ رِزْقَهُ} على مقدار البُلْغة. {فَيَقُولُ رَبّيَ أَهَانَنِ} أي أولاني هوانا. وهذه صفة الكافر الذي لا يؤمن بالبعث: وإنما الكرامة عنده والهوان بكثرة الحظ في الدنيا وقِلته. فأما المؤمن فالكرامة عنده أن يكرمه الله بطاعته وتوفيقه, المؤدّي إلى حظ الاَخرة, وإن وسّع عليه في الدنيا حمِده وشكره.
قلت: الاَيتان صفة كل كافر. وكثير من المسلمين يظنّ أن ما أعطاه الله لكرامته وفضيلته عند الله, وربما يقول بجهله: لو لم أستحقّ هذا لم يعطنيه الله. وكذا إن قَتّر عليه يظنّ أن ذلك لهوانه على الله. وقراءة العامة «فقَدَر» مخففة الدال. وقرأ ابن عامر مشدّداً, وهما لغتان. والاختيار التخفيف¹ لقوله: {وَمَن قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ} (الطلاق: 7). قال أبو عمرو: و«قُدِر» أي قُتّر. و«قُدّر» مشدّداً: هو أن يعطيه ما يكفيه, ولو فعل به ذلك ما قال «ربّي أهانن». وقرأ أهل الحَرَمين وأبو عمرو «ربّيَ» بفتح الياء في الموضعين. وأسكن الباقون. وأثبت البَزّي وابن مُحَيصِن ويعقوب الياء من «أكرمنِ», و«أهاننِ» في الحالين¹ لأنها اسم فلا تحذف. وأثبتها المدنِيون في الوصل دون الوقف, اتباعاً للمصحف. وخير أبو عمرو في إثباتها في الوصل أو حذفها¹ لأنها رأس آية, وحذفها في الوقف لخط المصحف. الباقون بحذفها, لأنها وقعت في الموضعين بغير ياء, والسنة ألا يخالف خط المصحف¹ لأنه إجماع الصحابة.

** قوله تعالى: {كَلاّ بَل لاّ تُكْرِمُونَ الْيَتِيمَ * وَلاَ تَحَاضّونَ عَلَىَ طَعَامِ الْمِسْكِينِ * وَتَأْكُلُونَ التّرَاثَ أَكْلاً لّمّاً * وَتُحِبّونَ الْمَالَ حُبّاً جَمّاً }.
قوله تعالى: {كَلاّ} ردّ¹ أي ليس الأمر كما يُظَنّ, فليس الغِنى لفضله, ولا الفقر لهوانه, وإنما الفقر والغنى من تقديري وقضائي. وقال الفراء: «كَلاّ» في هذا الموضع بمعنى لم يكن ينبغي للعبد أن يكون هكذا, ولكن يحمدُ الله عز وجل على الغنى والفقر. وفي الحديث: «يقول الله عز وجل: كلا إني لا أكرِم من أكرمت بكثرة الدنيا, ولا أهِين من أهنت بقلتها, إنما أكرم من أكرمت بطاعتي, وأهين من أهنت بمعصيتي».
قوله تعالى: {بَل لاّ تُكْرِمُونَ الْيَتِيمَ} إخبار عن ما كانوا يصنعونه من منع اليتيم الميراث, وأكل ماله إسْرافاً وبِدَاراً أنْ يَكْبُروا. وقرأ أبو عمرو ويعقوب «يُكْرِمون», و«يَحُضّون» و«يأكلون», و«يُحِبّونَ» بالياء¹ لأنه تقدّم ذكر الإنسان, والمراد به الجنس, فعبر عنه بلفظ الجمع. الباقون بالتاء في الأربعة, على الخطاب والمواجهة¹ كأنه قال لهم ذلك تقريعاً وتوبيخاً. وترك إكرام اليتيم بدفعه عن حقه, وأكل ماله كما ذكرنا. قال مقاتل: نزلت في قُدامة بن مظعون وكان يتيماً في حجر اُمية بن خَلَف. {وَلاَ تَحَاضّونَ عَلَىَ طَعَامِ الْمِسْكِينِ } أي لا يأمرون أهليهم بإطعام مسكين يجيئهم. وقرأ الكوفيون «ولا تَحَاضّونَ» بفتح التاء والحاء والألف. أي يَحُضّ بعضهم بعضاً. وأصله تتحاضّون, فحذف إحدى التاءين لدلالة الكلام عليها. وهو اختيار أبي عُبيد. ورُوِي عن إبراهيمَ والشّيْزَرِيّ عن الكسائي والسّلَمِيّ «تُحَاضّون» بضم التاء, وهو تُفاعِلون من الحضّ, وهو الحث. {وَتَأْكُلُونَ التّرَاثَ} أي ميراث اليتامى. وأصله الوُراث من ورِثت, فأبدلوا الواو تاء¹ كما قالوا في تُجاه وتُخمَة وتُكأة وتُوَدة ونحو ذلك. وقد تقدّم. {أَكْلاً لّمّاً} أي شديداً¹ قاله السّدّيّ. قيل: «لَمّا»: جمعا¹ من قولهم: لممت الطعام لما إذا أكلته جمعاً¹ قاله الحسن وأبو عُبيدة. وأصل اللّمّ في كلام العرب: الجمع¹ يقال: لَمَمْت الشيء ألُمّه لَمّا: إذا جمعته, ومنه يقال: لمّ الله شعثه, أي جمع ما تفرّق من أموره. قال النابغة:
ولَسْتَ بِمُسْتَبِقٍ أخاً لا تَلُمّهعلى شَعَثٍ أيّ الرجال المُهَذّبُ

ومنه قولهم: إن دارك لَمُومَة¹ أي تَلُمّ الناس وتَرُبّهم وتجمعهم. وقال المِرناق الطائيّ يمدح علقمة بن سيف:
لأحبّنِي حُبّ الصبيّ ولَمّنِيلَمّ الهُدِيّ إلى الكرِيم الماجِد

وقال الليث: اللمّ الجمع الشديد¹ ومنه حجر ملموم, وكتِيبة ملمومة. فالاَكل يَلُم الثريد, فيجمعه لُقَماً ثم يأكله. وقال مجاهد. يَسفّه سَفّاً: وقال الحسن: يأكل نصيبه ونصيب غيره. قال الحُطيئة:
ر إذا كانَ لَمّا يُتْبع الذمّ ربّهفلا قدّسَ الرحمنُ تلك الطواحِنا

يعني أنهم يجمعون في أكلهم بين نصيبهم ونصيب غيرهم. وقال ابن زيد: هو أنه إذا أكل ماله ألَمّ بمال غيره فأكله, ولا يفكر: أكل من خبيث أو طيب. قال: وكان أهل الشرك لا يورّثون النساء ولا الصبيان, بل يأكلون ميراثهم مع مِيراثِهم, وتراثهم مع تُراثِهم. وقيل: يأكلون ما جمعه الميت من الظلم وهو عالم بذلك, فَيلُمّ في الأكل بين حرامه وحلاله. ويجوز أن يذمّ الوارث الذي ظفِر بالمال سَهْلاً مَهْلاً, من غير أن يَعرَق فيه جبينه, فيسرِف في إنفاقه, ويأكله أكلاً واسعاً, جامعاً بين المشتيهات, من الأطعمة والأشربة والفواكه, كما يفعل الوُرّاث البطالون. {وَتُحِبّونَ الْمَالَ حُبّاً جَمّاً} أي كثيراً, حلاله وحرامه. والجمّ الكثير. يقال: جمّ الشيء يَجُمّ جُموماً, فهو جَمّ وجامّ. ومنه جمّ الماء في الحوض: إذا اجتمع وكثر. وقال الشاعر:
إن تغفِرِ اللّهُمّ تغفِرْ جَمّاوأيّ عبدٍ لك لا ألمّا

والجَمّة: المكان الذي يجتمع فيه ماؤه. والجَموم: البئر الكثيرة الماء. والجُمومُ (بالضم): المصدر¹ يقال: جمّ الماء يجِم جموماً: إذا كثر في البئر واجتمع, بعد ما استقي ما فيها.

** قوله تعالى: {كَلاّ إِذَا دُكّتِ الأرْضُ دَكّاً دَكّاً }.
قوله تعالى: {كَلاّ} أي ما هكذا ينبغي أن يكون الأمر. فهو ردّ لانكبابهم على الدنيا, وجمعهم لها, فإن من فعل ذلك يندم يوم تُدَكّ الأرض, ولا ينفع الندم. والدّك: الكسر والدقّ¹ وقد تقدّم. أي زلزلت الأرض, وحُرّكت تحريكاً بعد تحريك. وقال الزجاج: أي زلزلت فَدَك بعضها بعضاً. وقال المبرد: أي ألصِقت وذهب ارتفاعها. يقال: ناقة دَكّاء, أي لا سنام لها, والجمع دُكّ. وقد مضى في سورة «الأعراف» و«الحاقة» القول في هذا. ويقولون: دُكّ الشيء أي هُدِم. قال:
هـل غـيـر غـارٍ دَكّ غـاراً فـانـهـدمْ
{دَكّاً دَكّاً} أي مرة بعد مرة¹ زلزلت فكسّر بعضها بعضاً¹ فتكسر كل شيء على ظهرها. وقيل: دُكّت جبالها وأنشازها حتى استوت. وقيل: دُكت أي استوت في الانفراش¹ فذهب دُورها وقُصورها وجبالها وسائر أبنيتها. ومنه سمي الدّكان, لاستوائه في الانفراش. والدك: حطّ المرتفع من الأرض بالبسط¹ وهو معنى قول ابن مسعود وابن عباس: تمدّ الأرض مدّ الأديم.

** قوله تعالى: {وَجَآءَ رَبّكَ وَالْمَلَكُ صَفّاً صَفّاً * وَجِيَءَ يَوْمَئِذٍ بِجَهَنّمَ يَوْمَئِذٍ يَتَذَكّرُ الإِنسَانُ وَأَنّىَ لَهُ الذّكْرَىَ }.
قوله تعالى: {وَجَآءَ رَبّكَ} أي أمره وقضاؤه¹ قاله الحسن. وهو من باب حذف المضاف. وقيل: أي جاءهم الربّ بالاَيات العظيمة¹ وهو كقوله تعالى: {إِلاّ أَن يَأْتِيَهُمُ اللّهُ فِي ظُلَلٍ مّنَ الْغَمَامِ} (البقرة: 210), أي بظلل. وقيل: جعل مجيء الاَيات مجيئاً له, تفخيماً لشأن تلك الاَيات. ومنه قوله تعالى في الحديث: «يا ابن آدم, مرِضت فلم تَعُدنِي, واستسقيتُك فلم تَسْقنِي, واستطعمتك فلم تُطْعِمْني». وقيل: «وجاءَ رَبّك» أي زالت الشّبَهُ ذلك اليوم, وصارت المعارف ضرورية, كما تزول الشّبَه والشك عند مجيء الشيء الذي كان يُشَك فيه. قال أهل الإشارة: ظهرت قدرته واستولت, والله جل ثناؤه لا يوصف بالتحوّل من مكان إلى مكان, وأنّى له التحوّل والانتقال, ولا مكان له ولا أوان, ولا يجري عليه وقت ولا زمان¹ لأن في جَرَيان الوقت على الشيء فوت الأوقات, ومن فاته شيء فهو عاجز.
قوله تعالى: {وَالْمَلَكُ} أي الملائكة. {صَفّاً صَفّاً} أي صفوفاً. {وَجِيَءَ يَوْمَئِذٍ بِجَهَنّمَ}: قال ابن مسعود ومقاتل: تقاد جهنم بسبعين ألف زمام, كل زمام بيد سبعين ألف ملك, لها تغيظ وزفِير, حتى تنصب عن يسار العرش. وفي صحيح مسلم عن عبد الله بن مسعود قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «يُوْتَى بجهنم يومئذٍ, لها سبعون ألف زمام, مع كل زمام سبعون ألف ملك, يجرّونها». وقال أبو سعيد الخُدرِيّ: لما نزلت {وَجِيَءَ يَوْمَئِذٍ بِجَهَنّمَ} تغير لون رسول الله صلى الله عليه وسلم, وعُرف في وجهه, حتى اشتدّ على أصحابه, ثم قال: «أقرأني جبريل {كَلاّ إِذَا دُكّتِ الأرْضُ دَكّاً دَكّاً } ـ الاَية ـ {وَجِيَءَ يَوْمَئِذٍ بِجَهَنّمَ}». قال عليّ رضي الله عنه: قلت يا رسول الله, كيف يجاء بها؟ قال: «يؤتى بها تقاد بسبعين ألفَ زمام, يقود بكل زمام سبعون ألفَ مَلَك, فَتَشْرُد شَرْدَة لو تركت لأحرقت أهل الجمع ثم تَعْرِض لي جهنم فتقول: ما لي ولك يا محمد, إن الله قد حرّم لحمك عليّ» فلا يبقى أحد إلا قال نفسي نفسي! إلا محمد صلى الله عليه وسلم فإنه يقول: رب أمتي! ربّ أمتي!
قوله تعالى: {يَوْمَئِذٍ يَتَذَكّرُ الإِنسَانُ} أي يتعِظ ويتوب. وهو الكافر, أو من هِمته معظم الدنيا. {وَأَنّىَ لَهُ الذّكْرَىَ} أي ومِن أين له الاتعاظ والتوبة وقد فرّط فيها في الدنيا. ويقال: أي ومِن أين له منفعة الذكرى. فلا بدّ من تقدير حذف المضاف, وإلا فبين «يَوْمَئذٍ يتذكر» وبين «وأنّى له الذكرى» تنافٍ¹ قاله الزمخشريّ.

** قوله تعالى: {يَقُولُ يَلَيْتَنِي قَدّمْتُ لِحَيَاتِي }.
أي في حياتي. فاللام بمعنى في. وقيل: أي قدمت عملاً صالحاً لحياتي, أي لحياة لا موت فيها. وقيل: حياة أهل النار ليست هنيئة, فكأنهم لا حياة لهم¹ فالمعنى : يا ليتني قدّمت من الخير لنجاتي من النار, فأكون فيمن له حياة هنيئة.

** قوله تعالى: {فَيَوْمَئِذٍ لاّ يُعَذّبُ عَذَابَهُ أَحَدٌ * وَلاَ يُوثِقُ وَثَاقَهُ أَحَدٌ }.
قوله تعالى: {فَيَوْمَئِذٍ لاّ يُعَذّبُ عَذَابَهُ أَحَدٌ } أي لا يعذّب كعذاب الله أحَد, ولا يُوثِق كوثاقه أحد. والكناية ترجع إلى الله تعالى. وهو قول ابن عباس والحسن. وقرأ الكسائي «لا يُعَذّب» «ولا يُوثَق» بفتح الذال والثاء¹ أي لا يعذب أحد في الدنيا كعذاب الله الكافر يَوْمَئذ, ولا يوثَق كما يوثَق الكافر. والمراد إبليس¹ لأن الدليل قام على أنه أشدّ الناس عذاباً, لأجل إجرامه¹ فأطلق الكلام لأجل ما صحبه من التفسير. وقيل: إنه أمية بن خلف¹ حكاه الفرّاء. يعني أنه لا يعذّب كعذاب هذا الكافر المعيّن أحد, ولا يوثَق بالسلاسل والأغلال كوَثاقه أحد¹ لتناهيه في كفره وعناده. وقيل: أي لا يعذّب مكانه أحد, فلا يؤخذ منه فداء. والعذاب بمعنى التعذيب, والوثاق بمعنى الإيثاق. ومنه قول الشاعر:
وبَعْـدَ عَطـائِـكَ المِـائَـةً الـرّتـاعـا
وقيل: لا يعذب أحد ليس بكافر عذاب الكافر. واختار أبو عبيد وأبو حاتم فتح الذال والثاء. وتكون الهاء ضمير الكافر¹ لأن ذلك معروف: أنه لا يعذب أحد كعذاب الله. وقد روى أبو قِلابة عن النبيّ صلى الله عليه وسلم. وقال أبو عليّ: يجوز أن يكون الضمير للكافر على قراءة الجماعة¹ أي لا يعذّب أحدٌ أحداً مثل تعذيب هذا الكافر¹ فتكون الهاء للكافر. والمراد بـ«ـأحد» الملائكة الذين يتولون تعذيب أهل النار.

** قوله تعالى: {يَأَيّتُهَا النّفْسُ الْمُطْمَئِنّةُ * ارْجِعِي إِلَىَ رَبّكِ رَاضِيَةً مّرْضِيّةً * فَادْخُلِي فِي عِبَادِي * وَادْخُلِي جَنّتِي }.
قوله تعالى: {يَأَيّتُهَا النّفْسُ الْمُطْمَئِنّةُ } لما ذكر حال من كانت هِمته الدنيا فاتهم الله في إغنائه وإفقاره, ذكر حال من اطمأنت نفسه إلى الله تعالى, فسلم لأمره, واتكل عليه. وقيل: هو من قول الملائكة لأولياء الله عز وجل. والنفس المطمئنة: الساكنة المُوقنة¹ أيقنت أن الله ربها, فأخبتت لذلك¹ قاله مجاهد وغيره. وقال ابن عباس: أي المطمئنة بثواب الله. وعنه المؤمنة. وقال الحسن: المؤمنة الموقنة. وعن مجاهد أيضاً: الراضية بقضاء الله, التي علمت أن ما أخطأها لم يكن ليصيبها, وأنّ ما أصابها لم يكن ليخطئها. وقال مقاتل: الاَمنة من عذاب الله. وفي حرف اُبيّ بن كعب «يأيتها النفس الاَمنة المطمئنة». وقيل: التي عمِلت على يقين بما وعد الله في كتابه. وقال ابن كَيسان: المطمئنة هنا: المخلصة. وقال ابن عطاء: العارفة التي لا تصبر عنه طرفة عين. وقيل: المطمئنة بذكر الله تعالى¹ بيانه {الّذِينَ آمَنُواْ وَتَطْمَئِنّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللّهِ} (الرعد: 28). وقيل: المطمئنة بالإيمان, المُصدّقة بالمبعث والثواب. وقال ابن زيد: المطمئنة لأنها بشرت بالجنة عند الموت, وعند البعث, ويوم الجمع. وروى عبد الله بن بُرَيدة عن أبيه قال: يعني نفس حمزة. والصحيح أنها عامة في كل نفسِ مؤمنٍ مخلصٍ طائع. قال الحسن البصرِيّ: إن الله تعالى إذا أراد أن يقبض رُوح عبده المؤمن, اطمأنت النفس إلى الله تعالى, واطمأن الله إليها. وقال عبد الله بن عمرو بن العاص: إذا تُوُفّيَ المؤمن أرسل الله إليه مَلَكين, وأرسل معهما تُحْفة من الجنة, فيقولان لها: اخرُجي أيتّها النفسُ المطمئنةُ راضية مَرْضِية, ومَرْضِياً عنك, اخرجي إلى رَوْحٍ وريَحْان, ورَبّ راضٍ غيرِ غضبان, فتخرج كأطيب ريح المسك وَجَد أحد من أنفه على ظهر الأرض. وذكر الحديث. وقال سعيد بن جبير: قرأ رجل عند النبيّ صلى الله عليه وسلم «يأيّتُها النفسُ المُطْمَئِنّة», فقال أبو بكر: ما أحسن هذا يا رسول الله! فقال النبيّ صلى الله عليه وسلم: «إن المَلَكَ سيقولها لك يا أبا بكر». وقال سعيد بن جبير: مات ابن عباس بالطائف, فجاء طائر لم يُرَ على خِلقته طائر قط, فدخل نعشه, ثم لم ير خارجاً منه, فلما دفن تليت هذه الاَية على شَفِير القبر ـ لا يُدْرَى من تلاها ـ: {يَأَيّتُهَا النّفْسُ الْمُطْمَئِنّةُ * ارْجِعِي إِلَىَ رَبّكِ رَاضِيَةً مّرْضِيّةً }. وروى الضحاك: أنها نزلت في عثمان بن عفان رضي الله عنه حين وقف بئر رُومَة. وقيل: نزلت في خُبَيب بن عدِيّ الذي صَلَبه أهل مكة, وجعلوا وجهه إلى المدينة, فحوّل الله وجهه نحو القِبلة. والله أعلم.
معنى {إِلَىَ رَبّكِ} أي إلى صاحبك وجسدِك¹ قاله ابن عباس وعِكرمة وعطاء. واختاره الطّبَريّ¹ ودليله قراءة ابن عباس «فادْخُلِي فِي عَبْدِي» على التوحيد, فيأمر الله تعالى الأرواح غداً أن ترجع إلى الأجساد. وقرأ ابن مسعود «في جسدِ عبدي». وقال الحسن: ارجعي إلى ثواب ربك وكرامته. وقال أبو صالح: المعنى: ارجعي إلى الله. وهذا عند الموت.{فَادْخُلِي فِي عِبَادِي } أي في أجساد عبادي¹ دليله قراءة ابن عباس وابن مسعود. قال ابن عباس: هذا يوم القيامة¹ وقاله الضحاك. والجمهور على أن الجنة هي دار الخلود التي هي مَسْكَن الأبرار, ودار الصالحين والأخيار. ومعنى «فِي عِبادِي» أي في الصالحين من عبادي¹ كما قال: {لَنُدْخِلَنّهُمْ فِي الصّالِحِينَ} (العنكبوت: 9). وقال الأخفش: {فِي عِبَادِي} أي في حِزبي¹ والمعنى واحد. أي انتظمي في سِلْكهم. {وَادْخُلِي جَنّتِي } معهم.

مديرالمنتدى
Admin

عدد المساهمات : 169
نقاط : 561
تاريخ التسجيل : 25/09/2011

https://mourad.forumegypt.net

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

الرجوع الى أعلى الصفحة

- مواضيع مماثلة

 
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى